Wikipedia

Résultats de recherche

jeudi 30 janvier 2014

مهنة "البرباشة" في تونس: النّبش في المزابل آخر الحلُول لتحصيل القُوت

تعتبر مهنة البرباشة من أكثر المهن احتقارا من قبل كافّة الفئات الاجتماعيّة، فرغم ضُعف دخلهم الفردي إلاّ أنّهم رضوا بالفليل لسدّ احتياجاتهم الضروريّة مُتناسين ما تُخلّفه رائحة المزابل المتعفّنة من أمراض قد تؤدّي به للهلاك...هي مهنة شملت أناس يعيشون تحت خطّ الفقر.

"البرباشة" ملفٌّ تأكلت أوراقهُ من فرطِ نسيان و تجاهُل السّلطات المعنيّة عامّةً ولا سيّما الحكومة المُنتخبة من قبل شعبٍ أكثر من نصفه ينتمي إلى الشرائح الفقيرة. حكومةٌ اثقلتها الملفات ... وأطراف مسؤولةٌ هاجسُها الوحيد الكراسي ... فئاتٌ اجتماعيّة أخرى من أثرياء ورجال أعمال ينعمون بالمليارات ويعيشون يقفصهم العاجيّ على حسابِ فئة خارج كافّة هذه المعادلات تُواجه المجهول وتقتاتُ من الفضلات دون الحديث عن عُمقِ المأساة.
ينقسمُ الشعب التونسي إلى طبقاتٍ بعضُها لقي الاحترام والتّقدير وهو حاليًا يُبحر في بحر الثّراءِ، والبعض الأخر يسعى إلى تحقيق مطالبه ولا يزالُ ينتظرُ عدّاد الحكومة إلى إن يصل دوره. في حين أنّ هناك من لم يلق ولو نظرة كما لو أنّهم غير موجودين او ينتمون إلى عالمٍ آخر.
تجارةٌ في المزابل
حسب دراسات الأخيرة لعدد مُستعملي القمامة مصدرًا للعيش والّتي قدّمتها مصالحُ وزارة البيئة والتّنمية المُستديمة، وصلت كميّة النفايات المنزلية والمشابهة  المنتجة في تونس سنويا بـ2.5 مليون طن يتمّ التصرف في 32٪ منها بالرّسكلة والتثمين ليقدّر رقم معاملات هذه «السوق» أكثر من 200 مليون دينار لا تنتفع منها الدولة ولو بملّيمات معدودات. فهُم أكثر من 8000 تونسي وجدُوا في القمامة تراهم يجوبون الشوارع والأنهج يبحثون داخل حاويات الفضلات المنزلية عن قوارير بلاستيكية أو عن علب مشروبات أو عن أوراق مقوّى وبعض التجهيزات المنزلية القابلة للتحويل. إذ تقدّر كميّة النفايات المنزليّة والمشابهة المُنتجة، حسب ما أفضت به الدراسات المُنجزة لسنة2007، سنويّا بحوالي 2،2 مليون طن ليكون معدّل الفرد الواحد قرابة ال0،6 كلغ/اليوم، منها حوالي 53 ألف طن نفايات لفّ وتعليب.

هذا الكمّ الهائل من التونسيين أُطلق عليهم اسم «البرباشة» وفلا يُوجد وصفٌ اجتماعي لهم سوى أنهم من أدنى المجتمع التونسي الّذي أهملته بل تناسته مؤسسات الدّولة فلم يكن لهم من خيارٍ سوى إلاّ البحث في القمامة عمّا يمكن أن يسدُّوا به الرّمق.

هناك  من البرباشة من يقطع يوميّا أكثر من 30 كلم ليجمع حوالي 20 كلغ من المواد القابلة للبيع  لدى مؤسسات من نوع خاص يشغّلُها  وسطاء يبيعون بدورهم تلك المواد المتأتية من القمامة والقابلة للتحويل الى شركات تونسية كبرى تعمل في مجالات الرّسكلة والتّدوير للبلاستيك والنحاس والورق المقوّى المعدّ للفّ. وتختلف أسعار تلك المواد من وسيط الى آخر وفي كل الحالات  لا يتجاوز الدخل اليومي للبرباش  ال8 دنانير  رغم خطورة هذه المهنة ومشقتها في حين أنها تدرّ على الوسطاء مبالغ طائلة فاقت الـ200  مليون دينار سنويا حسب وزارة البيئة والتنمية المُستديمة.

ووفقًا لأشهر المواقع العالميّة فقد ازدهرت مهنة البرباش في منتصف تسعينات القرن الماضي بعدما كانت مقتصرة على المصبّات الكبرى كهنشير اليهودية بتونس العاصمة أين يتجمّع يوميّا مئات الأشخاص للبحث عن بعض الأشياء الثمينة والأدوات والآلات المعطّلة لبيعها في أسواق الخردة كسيدي عبد السلام أو باب الفلّة وغيرها  من  الأسواق لكن مواسم الجفاف  التي شهدتها تونس في تلك الفترة وعجز آلاف المزارعين عن توفير  العلف اللازم لحيواناتهم دفع بمئات التونسيين نحو حاويات الفضلات المنزلية للبحث عن بقايا الخبز لإطعام تلك الحيوانات وسرعان  ما ازدهرت تجارة الخبز لتستهوي المزيد من التونسيين من الفقراء والمعدومين الذين حوّلوها الى مصدر رزقهم الوحيدة وسرعان ما تفطّن تجار الفقر من الوسطاء الى هذه «الثروة» لينصبّوا أنفسهم وكلاء على هذه التجارة ومن ثمّة استغلال عرق الآلاف من جامعي بقايا الخبز للاستثراء فقد بلغ سعر الطن الواحد من الخبز المعدّ للعلف الـ160 دينار لا يتحصل البرباش إلاّ عن 20٪ منها في حين تذهب البقية الى جيوب الوسطاء وتجار الفقر
ومع تزايد الطلب عن البلاستيك والنحاس نتيجة ازدهار صناعة التعليب واللّف في تونس من جهة وارتفاع أسعار هذه المواد في الأسواق العالمية من جهة اخرى تأقلم البرباشة مع هذا الوضع الجديد ليتحوّل اهتمامهم من الخبز الى القوارير  البلاستيكية  وعلب المشروبات الغازية والكحولية التي تحتوي على معادن عديدة كالنحاس. إذ يبيع البرباش الكيلوغرام من البلاستيك القابل للتحويل بمائتي مليم ليصل سعره بعد الرّسكلة الى دينارين في حين لا يتحصل البرباش إلاّ على 400 مليم للكيلوغرام الواحد من النحاس الذي يُباع بعد رسكلته بـ12 دينار ويذهب فارق السعر لفائدة الوسطاء ومصانع التحويل رغم أنّ الجزء الأكبر من العمل يقوم به البرباش.
 لم تحرّك الدولة ساكنا لتأطير هذا القطاع بل ساهمت بدورها في تهميش آلاف البرباشة من خلال اقرارها سنة 2001 لقانون يسمح للخواص بإنشاء شركات لجمع ونقل النفايات ومن ثمّة فرزها واستغلال المواد القابلة للتحويل والرّسكلة، فتحت غياب الرّقابة وتطبيق القانون تتسبّب المؤسّسات المعنيّة بالمجال في العديد من المشاكل البيئيّة الّتي وإن طبّق عليها القانون لكانت جريمة حقّ عام لخطورة ممارسات تلك الشركات على المُحيط. إذ يقع بعد الانتفاع من المواد القابلة للرسكلة وإعادة التّدوير التخلّص من باقي النفايات بطريقة عشوائيّة ولاأخلاقيّة إمّا بإلقائها خارج المكبّات البلديّة او الاحتفاظ بها لفترة طويلة داخل المؤسّسات ممّا ينجرّ عنه التعرّض لأمراض وجراثيم يُستعصى مُداواتها.
مورد رزقٍ لتحصيل قوتهم
في الوقت الذي يتمتّع فيه رؤساء الأعمال والوسطاء  بالرّفاه وبطيب رائحة البحار و نسمات الهواء العليل، يشعرفيه  أفرادٌ مهمّشون بحالة اختناق بسبب الروائح المُقرفة التي تنبعث من كل شبر من الأماكن الّتي يلجأون إليها  والّتي عادت عليهم  بالمضرّة، إلاّ أنّ «البرباشة»  اعتادوا  هذه الاوضاع المأساوية وتأقلموا معها رغم انها لا تطاق لأنه في النهاية ليس امامهم أي خيار سوى تحمل المتاعب باعتبار أنّ "الخبزة مرة ....مرارة الحنظل"، ليصرّح "جلال الفرشيشي " على أنّ الوضع الاستثنائي الذي مرت به تونس وتدهور الاقتصاد وغلق عديد المؤسسات بعد الثورة جعل أعداد «البرباشة» يقفز من 100 الى أكثر من 5 الاف.
وتُعتبر المصبّات المُتواجدة بتونس أحد مصادر رزقِ، "كوليد" الّذي كان يمسك بإحكام كيس القمامة الذي تتراكم فيه قوارير البلاستك الفارغة غنيمته اليومية التي تدرّ عليه حفنة من الدنانير الّتي «هجر» قسرا من أجلها طفولته التي انهكها ضنك العيش ليحشره مضطرّا تحت أكوام المزابل مسترزقا من فضلات الآخرين... حيث يعتبر من أصغر «البرباشة» سنّا في المِصبّ..

أمراضٌ سرطانيّة تهدّد العمّال
لاشكّ ان الروائح الكريهة والمواد المتعفنة والمتحلّلة تهدّدُ «البرباشة» بأمراضٍ خطيرةٍ لا يمكن حصرها من الأمراض الجلديّة الى الحساسيّة والفدّة  والامراض السرطانية والأمراض الصّدريّة والاختناق .وهي معطيات دعّمها مختصٌّ في التغذية كشف أنّ تناول بعض المواد من المزابل يفضي بالضرورة الى أمراض خطيرة لأنّه حتى وإن كانت هذه المواد صالحة للاستهلاك وليست منتهيةَ الصلوحيّةِ فإنها تتلوّث وتتكاثر بها الجراثيم من خلال ملامستِها لمواد اخرى متعفّنة ومتحلّلة . وهذا الخليط من الملوثات يساهم أكثر في إمكانية الاصابة بالسرطان لتنوع الفضلات والمواد السامة والمتعفنة . والاخطر من ذلك أنه من الصعب توفير الوقاية للعاملين  لان تواجدهم طوال الوقت بمكان يحتوي هواء ملوثا يمكنه التأثير على الجهاز التنفسي، لأنّ المصب يمثل أعلى درجات التلوث وهذا أمرٌ طبيعيّ بحكم المواد المتنوعة التي تُنقل إليه يوميًّا وما يمكن ان تسبّبه من مخاطر وأمراض. والى جانب امكانية التسمم فعديد الامراض الخطيرة الأخرى تهدد هذه الفئة المهمشة التي لا يمكن وقايتها إلاّ بالحلول الاجتماعية لأنّه لا شيء يدفع بعض الناس الى البحث عن الأكل في المزابل لسد رمقهم . صحيح ان الغذاء أساسي لكن في مثل هذه الحالات يكون نقمة على الصحة لذلك يتحتم على الأطراف المسؤولة العناية بهذه الفئة وانقاذها من الخطر المحدق بها في كل لحظة.

رغم كبر المعاناة الّتي انتابت فئات عاجزةٍ بالمجتمع التّونسي، إلاّ انّ مهنة البرباشة ظلّت وستظلّ من أسوأ ما رأته العين ومن أغرب القضايا الّتي دقّت الآذان لتعكس حجم المعاناة الّتي يكابدُها العامل البرباش ذلك أنّ ما يجنيه من تعبِ أيّام وليال لا يكفيه لعلاج مرضٍ واحدٍ لما تُسبّبه الفضلات.
Réalisé par: MRebhi

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire